متابعة /سيد زعزوع
برعاية كريمة من فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وفضيلة الدكتور سلامة جمعة داود، رئيس جامعة الأزهر، وفضيلة الدكتور رمضان الصاوي، نائب رئيس الجامعة للوجه البحري، وإشراف الدكتور زكي صبري، عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بكفر الشيخ، والدكتور ماهر الجبالي، وكيل الكلية، نظّمت الكلية، اليوم الأحد، ندوة تثقيفية بعنوان «حرب الهوية وسبل المحافظة عليها»، حاضر فيها فضيلة الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم.
واستُهلت الندوة بتلاوة مباركة من آيات الذكر الحكيم، أعقبها كلمة ترحيبية ألقاها عميد الكلية ووكيلها، ثم كلمة فضيلة مفتي الجمهورية، التي أكد خلالها أن المؤسسة الدينية تضطلع بدورٍ محوري في مواجهة الحروب الفكرية التي تستهدف تشويه وعي الأمة، والنيل من دينها ولغتها وتاريخها، وبث نظرة دونية لدى بعض أبنائها تجاه ذواتهم وأوطانهم، في محاولة لاستعباد العقول وإفراغها من القيم، والقضاء على حاضر الأمة ومستقبلها.
وأوضح مفتي الجمهورية أن الأمة تواجه اليوم حروبًا أخطر من حروب السلاح، تقوم على تشويه الوعي وبث الشكوك حول الهوية والرسالة الحضارية، مؤكدًا أن الاعتداء على مكونات الهوية من دين ولغة وتاريخ ووطن، يحوِّل الأمة إلى جسد بلا روح وكيان بلا وجود، ويُفقدها قدرتها على الفعل والبناء.
وبيَّن فضيلته أن الغزو العسكري مهما بلغ من السيطرة لا بد أن ينتهي بالخسارة، وهو ما دفع المعتدين إلى تبنّي الحروب الفكرية التي تستنزف الخيرات وتبتر الأحلام دون خسائر مادية مباشرة، عبر تأجيج الفتن، واتهام الدين بما ليس فيه، ومحاربة اللغة العربية بوصفها الجسر الواصل بين الدين والتاريخ والوطن والإنسان، محذرًا من الخطابات التي تزعم تعارض الدين مع العقل أو مناقضته للعلم، في محاولة للنيل من الهوية.
وأكد مفتي الجمهورية أن الدين الصحيح هو الحافظ للإنسان، والمتفاعل مع الواقع والتاريخ، والقادر على بناء وعيٍ متوازن يحمي الهوية ويصون مقوماتها في مواجهة التحديات المعاصرة، مشيرًا إلى أن اتهام الدين بالجمود أو التشدد أو الانغلاق يُعد من أخطر أدوات التطرف، حيث تُوظَّف هذه الاتهامات لربط الدين بتصورات مشوهة تُقدَّم بمعزل عن القواعد الفقهية والأصولية المعتبرة.
وتناول فضيلته ما يُثار من دعوات لإخضاع الدين للأحوال المتغيرة دون ضوابط شرعية، مستشهدًا بقضية الميراث، موضحًا أن فلسفة التشريع تقوم على اعتبارات متعددة؛ منها: اختلاف الأعباء والمسؤوليات، وأن المرأة لا ترث النصف في جميع الأحوال، بل توجد حالات ترث فيها أكثر من الرجل، مؤكدًا أن تناول هذه القضايا بصورة مبتورة يهدف إلى تصوير الدين بوصفه جامدًا ومُعاديًا للعقل.
وأشار مفتي الجمهورية إلى أن العلاقة بين العقل والدين علاقة تكامل لا تعارض، مستشهدًا بقول الراغب الأصفهاني: «العقل قائد، والدين مدد؛ فلولا الدين لم يكن العقل باقيًا، ولولا العقل لظل الدين حائرًا».
مؤكدًا أن الشريعة أوجبت إعمال العقل وضبطته بسلامة الفطرة والموضوعية؛ ليكون أداة للبناء لا وسيلة للهدم.
كما أوضح أن دار الإفتاء المصرية تنتهج منهج احترام التخصص والرجوع إلى أهله في القضايا المعاصرة، إيمانًا بأن ضبط الفتوى لا يتحقق إلا من خلال التكامل بين المعرفة الشرعية والخبرة التخصصية، محذرًا من الفلسفات التي تقوم على نسبية الأخلاق وتبرير الوسيلة بالغاية، مؤكدًا أن الإسلام يُقيم ميزان القيم على الثوابت لا الأهواء.
وحذّر مفتي الجمهورية من محاولات محاربة اللغة العربية، مشيرًا إلى أن أمة بلا لغة أو تاريخ هي أمة بلا حضارة، ومؤكدًا أن الوطن هو الإطار الحاضن للدين، وأن صيانته مسؤولية دينية ووطنية لا تنفصل عن حفظ الهوية.
وفي ختام الندوة، قدّم فضيلة الدكتور زكي صبري، عميد الكلية، درع الكلية لفضيلة مفتي الجمهورية؛ تقديرًا لجهوده العلمية والدعوية، ودوره البارز في ترسيخ الوعي الديني الرشيد ومواجهة التحديات الفكرية المعاصرة، معربًا عن اعتزاز الكلية باستضافة فضيلته وما قدّمه من طرح علمي عميق أسهم في إثراء وعي الطالبات وأعضاء هيئة التدريس.
