في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم نحو بؤر التوتر التقليدية، تشتعل في أمريكا اللاتينية معركة من نوع آخر… معركة نفوذ لا تُطلق فيها رصاصة واحدة، لكنها قادرة على إعادة توزيع موازين القوى العالمية.
هنا… في قلب فنزويلا، البلد الغني بالنفط والمثقل بالأزمات، يتقاطع النفوذ الأميركي و التمدد الصيني و الحضور الروسي في مشهد سياسي واقتصادي معقد، يُشبه إلى حد كبير لعبة شطرنج دولية يتحرك فيها الجميع بحسابات دقيقة.
أميركا تضغط… وفنزويلا تتحدى
واشنطن تواصل فرض عقوبات وتشديد قبضتها السياسية والاقتصادية على نظام مادورو، محاولة إعادة ضبط الساحة لصالحها.
وفي المقابل، لا تتراجع كاراكاس خطوة واحدة، بل ترد بحزم سياسي وتشريعات جديدة، وتلوّح بتحالفاتها الشرقية كلما ضاقت عليها الدائرة.
الصين وروسيا… حضور يغيّر قواعد اللعبة
رغم أن لا وجود لحرب بالوكالة أو صدام مباشر بين القوى الكبرى، فإن الصين وروسيا تستغلّان حالة التوتر لتعزيز وجودهما داخل الاقتصاد الفنزويلي، سواء عبر الاستثمارات، أو الدعم السياسي، أو عقود الطاقة، ما يجعل فنزويلا تدريجيًا بوابة نفوذ شرقية في قلب أميركا اللاتينية.
هذا الحضور “غير الصاخب” يزعج واشنطن بشدة، لأنه يقترب من مجالها الحيوي التقليدي، ويجبرها على إعادة حساباتها.
الطاقة… الوقود الحقيقي للصراع
القضية ليست مجرد انتخابات ولا عقوبات… بل الذهب الأسود.
فنزويلا تمتلك واحدًا من أكبر احتياطيات النفط في العالم، ومع ارتفاع التنافس الدولي على مصادر الطاقة، تتحوّل إلى قطعة إستراتيجية لا يمكن تجاهلها.
وهنا يبدأ الصراع الحقيقي:
من يسيطر على الطاقة… يملك جزءًا من القرار العالمي.
مشهد بلا حرب… لكنه ليس بلا نار
حتى الآن، لا توجد مؤشرات على حرب أو صراع عسكري بين القوى الكبرى على الأرض الفنزويلية.
لكن اشتعال الحرب الدبلوماسية والاقتصادية بات واضحًا، وتمدده في ملفات النفط والحدود والتحالفات يعكس أن فنزويلا أصبحت بالفعل ساحة اختبار لحدود كل قوة في مواجهة الأخرى.
فنزويلا في قلب المشهد الدولي
مع كل خطوة أميركية… خطوة صينية تقابلها.
ومع كل ضغط سياسي… رد مادي أو تشريعي من كاراكاس.
ومع كل تمدد روسي… قلق غربي يطفو على السطح.
هكذا تتحرك فنزويلا اليوم: دولة لا تخوض حربًا، لكنها تعيش داخل ميدان صراع عالمي صامت يزداد سخونة كل يوم، وقد يتحول لاحقًا إلى أحد أهم ملفات النفوذ الدولي في العقد الجديد.