في لحظة عالمية يختلط فيها الضباب بالدخان، وتتهتز فيها خرائط النفوذ على صفيح ساخن، تخرج الدبلوماسية المصرية بكتاب جديد يصنع ضوءًا في العتمة، لا صدىً في الفراغ. كتاب «الاتزان الاستراتيجي» الصادر عن وزارة الخارجية المصرية ليس مجرد إصدار توثيقي، بل هو كشف هندسي لعقل الدولة المصرية وهي تعيد رسم تموضعها في نظام دولي يعاد تشكيله من الصفر.
مصر… من موقع الدولة إلى دور الدولة
الكتاب يقدّم رؤية شديدة الوضوح:
مصر لم تعد تقف في مقعد المتفرج على تحولات العالم، بل تتحرك بثبات لاستعادة دورها التاريخي كدولة محور في الشرق الأوسط وإفريقيا، وصاحبة ميزان سياسي قادر على تعديل كفة القوة لصالح الاستقرار.
ويُظهر الإصدار كيف انتقلت القاهرة من سياسة ردّ الفعل إلى سياسة الفعل الواعي، عبر شبكة تحركات خارجية مبنية على ثلاث ركائز رئيسية:
تنويع الشراكات الدولية
التمدد نحو آسيا كفضاء استراتيجي جديد
ترسيخ التوازن في منطقة مضطربة بالأزمات والتحالفات المتحولة
آسيا… بوابة مصر للقرن الجديد
الكتاب يكشف بوضوح أن التوجه نحو آسيا ليس رفاهية ولا خيارًا ثانويًا؛ بل استراتيجية مُحكمة تستند إلى حقائق القوة الاقتصادية العالمية التي انتقلت شرقًا.
مصر تتحرك بذكاء نحو:
الصين
الهند
اليابان
كوريا الجنوبية
ليس بمنطق “متلقي الدعم”، بل بمنطق الشريك القادر على المبادرة وخلق مساحة نفوذ جديدة.
دبلوماسية بحجم الدولة
تُظهر الخارجية المصرية—من خلال الكتاب—كيف تبني القاهرة توازنًا معقدًا بين القوى الكبرى دون انحياز مطلق.
فمصر اليوم تُمسك العصا من المنتصف، لكن بعقل استراتيجي لا بعشوائية سياسية:
تنفتح على واشنطن
تحافظ على علاقة متوازنة مع موسكو
وتُعزز تعاونًا اقتصاديًا بالغ الأهمية مع بكين
وهو الاتزان الذي يمنحها قدرة نادرة على الحركة بمرونة داخل نظام دولي محتدم.
لماذا الآن؟
صدور الكتاب في هذا التوقيت ليس مصادفة؛ فالعالم يشهد:
تصاعدًا في الصراعات الإقليمية
حروبًا تجارية
تغيرًا في ميزان الطاقة
وانهيارًا في أعمدة النظام العالمي القديم
وفي وسط كل هذا، تقدّم مصر وثيقة تقول للعالم:
لدينا رؤية… ولدينا خطة… ولدينا موقع سنحافظ عليه ونوسعه.

«الاتزان الاستراتيجي» ليس كتابًا بقدر ما هو بيان سياسي ناعم، و”خريطة طريق” لدور مصر في العقد القادم.
إنه رسالة تؤكد أن القاهرة لا تعيش على أمجاد الماضي، ولا تنتظر مستقبلًا يُملى عليها؛ بل تصنع مستقبلها بيدها، وتتحرك بوعي شديد في عالم لا يرحم الضعفاء ولا يحترم المترددين.