في قلب مصر، حيث لا تصل الكاميرات ولا تهتم بها عناوين النشرات، تعيش آلاف القرى والعزب في حالة حصار اجتماعي حقيقي. حصار عنوانه الجهل، العنف، والبلطجة، وواقعه مؤلم تتصدره مشاهد الثأر، الدم، والمشاجرات التي تُحسم بالعصي والأسلحة البيضاء، لا بالقانون.

مناطق نائية تعاني من التهميش، لا تجد فيها مدرسة قريبة، أو وحدة صحية فعالة، أو مركز شباب يمارس فيه المراهقون هواياتهم بدلًا من الإنزلاق في دوائر الجريمة والعنف. شباب عاطل، بلا وعي ولا تعليم، تتحكم في مصيره ثقافة “من يغلب هو الصح”، ويتصدر فيها البلطجي مجالس القرية.

خريطة الخطر

العنف في هذه المناطق لم يعد ظاهرة فردية، بل نمط حياة. في كل يوم تقريبًا، نطالع أخبارًا عن مشاجرات عنيفة لأسباب تافهة: خلاف على حد أرض، نظرة، أو حتى خلافات قديمة متوارثة. وتتحول بعض هذه الخلافات إلى معارك تُستخدم فيها الأسلحة النارية، مخلفة ضحايا من النساء والأطفال أحيانًا.

لماذا يحدث هذا؟

ضعف التعليم والأمية المرتفعة يجعل من السهل إشعال الفتن وإشاعة الجهل بدلًا من ثقافة الحوار.

الفقر وانعدام فرص العمل يدفع الشباب نحو المخدرات أو “البلطجة” كمصدر دخل وقوة.

غياب الردع الاجتماعي، بعد أن تآكل دور العمدة والشيخ ومراكز الشباب.

استسهال العنف كحل بديل للقانون، نتيجة ضعف الوعي القانوني، أو بطء إجراءات العدالة في بعض الأحيان.

ما الحل؟

رغم تعقيد المشهد، إلا أن هناك حلولًا واقعية لإنقاذ هذه المناطق من دوائر الجهل والعنف، إذا تكاملت الجهود بين الدولة والمجتمع:

1.    تفعيل حملات محو الأمية بشكل مركّز في القرى الأشد فقرًا وجهلًا، بدعم من الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني. 2.    توفير وحدات متنقلة لتقديم خدمات التعليم، الصحة، والتدريب المهني للفئات الأكثر احتياجًا. 3.    إعادة الاعتبار لدور العمدة والقيادات الشعبية، ومنحهم صلاحيات منظمة لحل النزاعات مجتمعيًا. 4.    توفير فرص عمل جديدة عبر دعم المشروعات الصغيرة والحرفية والزراعة الحديثة. 5.    تنظيم حملات إعلامية وثقافية موجهة لترسيخ فكرة احترام القانون ونبذ العنف كمبدأ للحياة.

في الختام:

القرى ليست مجرد تجمعات سكانية، بل عمق مصر الشعبي والثقافي. إنقاذها من مستنقع الجهل والبلطجة والعنف، ليس فقط واجبًا أخلاقيًا، بل ضرورة لبناء مجتمع آمن، متماسك، وقادر على مواجهة المستقبل بثقة