في كلمة متلفزة خرج بها مؤخرًا من مكان إقامته الآمن خارج قطاع غزة، توجه خليل الحية، رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، إلى الشعب المصري بسؤال استنكاري: “أيموت إخوانكم في غزة جوعًا على مقربة منكم؟”، تلاه بدعوة للشعوب في الدول المجاورة لفلسطين لـ”الزحف نحو فلسطين برًا وبحرًا”.

دعونا نتوقف عند هذا الطرح.

أولًا، من المهم التذكير بأن السيد الحية لا يتواجد حاليًا في غزة، بل في أماكن بعيدة وآمنة، ما يدفع للتساؤل: من الذي يُطلب منه الزحف؟ الشعوب؟ الجيوش؟ وهل من المنطقي أن يُزجّ بملايين الأبرياء في مواجهة مفتوحة، بينما قيادات الحركة تتابع من خلف الشاشات أو من داخل المكاتب المكيفة؟
ثم لنعد إلى أصل السؤال: “أيموت أهل غزة من الجوع؟”
نعم، غزة تعاني من كارثة إنسانية حقيقية، لكنها لم تبدأ اليوم. بل تفاقمت بعد السابع من أكتوبر، عندما نفّذت الحركة عملية عسكرية غير محسوبة النتائج، جرت على القطاع دمارًا غير مسبوق، وتسببت في مأساة إنسانية خانقة، لم يكن لأهالي غزة يدٌ فيها.
ما لا يذكره خليل الحية، أن من يموت جوعًا في غزة اليوم، إنما يدفع ثمن قرارات اتُخذت دون حماية، دون غطاء، دون استراتيجية سياسية، تاركةً المدنيين في قلب العاصفة.
وما لا يقوله كذلك، أن سكان القطاع يعيشون بين الأنفاق التي تحصّن فيها بعض القيادات، أو على وقع التصريحات التي تُطلق من فنادق خارج البلاد.
أما عن مصر، قيادةً وشعبًا، فلا تحتاج إلى تذكير بعمق انتمائها لفلسطين ولا بواجبها تجاه القضية، لكن ما ترفضه – بوضوح – هو محاولات الزج بها في حسابات سياسية أو عسكرية لا تُبنى على رؤية واقعية ولا على تنسيق مسؤول.
وفي النهاية، لعل التصريحات الأخيرة تكون كاشفة لمن لم يدرك بعد، أن هناك حملة منظمة تقودها أطراف معروفة التوجه، هدفها الضغط على مصر وتشويه دورها.
لكن ما غاب عن هذه الأطراف، أن المصريين يملكون من الوعي ما يكفي لتمييز الحملات الممنهجة، ومن الإدراك ما يجعلهم يقفون بثبات إلى جانب فلسطين، دون أن يسمحوا لأحد بأن يستخدمهم وقودًا في معارك لا قرار لهم فيها