لم تكن حرب أكتوبر مجرد معركة عسكرية، بل كانت وما زالت حدثًا مفصليًا في الذاكرة الجماعية. ليس المهم فقط ما حدث على الأرض، بل كيف صاغ الإعلام صورة هذا الحدث وكيف حفرت هذه الصورة في الوعي الاجتماعي عبر أجيال. كل وسيلة إعلامية حملت من الحرب زاوية، وكل جيل قرأها بلغة أدواته وتقنياته.

في زمن المانشيت الورقي كانت الصورة الإعلامية تتسم بالتركيز والرسوخ: عناوين واسعة وخطوط بيضاء على صفحات الصحف ونشرات رسمية تقرأها الأمة. خطابات النصر كانت تتبلور بصوتٍ رسمي قوي يختار ماذا يُقال وماذا يُغلق، ومع ذلك شكلت هذه الرواية الرسمية إطارًا موحدًا للذاكرة الجماعية، يخفي أحيانًا تفاصيل إنسانية فردية ويعطي الأحداث بعدًا بطوليًا موحدًا.

مع التحولات التكنولوجية والتحول إلى الإعلام الرقمي تغيرت آليات السرد وأمكنة الذاكرة. الأرشيفات صارت متاحة، وشهادات الأفراد وذكريات العائلات وجدت منابر لنشرها، ما سمح بتعدد أصوات تروي الحدث من زوايا أكثر قربًا وإنسانية. هذه المساحة الجديدة لم تقتصر على النقل فقط، بل أعادت تشكيل الحكايات: قصص صغيرة عن جنود ومواطنين دخلت السرد العام، وأتاحت للصورة أن تتعقد وتتنوع بدلاً من أن تكون موحدة.

اليوم يفتح الذكاء الاصطناعي أفقًا جديدًا في التعامل مع الذاكرة الإعلامية. تقنيات التحليل الآلي قادرة على دراسة آلاف الوثائق والمقاطع الأرشيفية في وقت قصير، وتقديم سرديات مركبة أو بصرية تفاعلية قد تقرّبنا من تفاصيل لم نرها سابقًا. في الوقت ذاته يظهر خطر جدي يتمثل في إمكانية إنتاج صور ومقاطع مزيفة (deepfakes) أو إعادة تركيب أحداث بصيغ لا تمت للحقيقة بصلة، مما يضع الإعلام أمام اختبار جديد: كيف يوازن بين الاستفادة من أدوات التوسيع والتحليل وبين حماية الحقيقة والذاكرة من التزوير؟

من المانشيت الورقي إلى إعلام الذكاء الاصطناعي، تبقى مسؤولية الحفاظ على ذاكرة حرب أكتوبر مشتركة بين مؤسسات أرشيفية، إعلاميين، ومواطنين واعين. التحدي الآن ليس فقط استدعاء النصر كحكاية تاريخية، بل تأمينه من التشويه وإتاحته للأجيال القادمة بصدق، مع تمكين أدوات تحقق ومهارات نقدية لدى الجمهور للتفريق بين الحقيقة والإنتاج الصناعي.