بقلم: د. إيمان ماهر

في السنوات الأخيرة لعبت البلوجر المصريات على منصات التواصل الاجتماعي دورًا متزايد التأثير في تشكيل الصورة الذهنية للمرأة المصرية، سواء لدى الجمهور المحلي أو في نظر العالم الخارجي. فوسط طوفان المحتوى اليومي على إنستجرام وتيك توك وفيسبوك ظهرت نماذج نسائية شابة تجذب ملايين المتابعين وتعيد رسم ملامح “الأنوثة المصرية” بصورة رقمية معاصرة.

يأتي التأثير الأكبر من البلوجر المتخصصات في اللايف ستايل والموضة والبيوتي حيث تتصدر مشاهد يومية عن الأزياء والمكياج والطهي وحتى الأمومة واجهة اهتمام الجمهور. ورغم أن هذه الموضوعات قد تبدو سطحية للبعض فإنها في الواقع تؤسس لصورة نمطية جديدة حول المرأة المصرية: أنيقة منظمة تهتم بنفسها وبأسرتها لكنها في الوقت نفسه مستهلكة دائمة لا صوت سياسي أو اجتماعي لها. وبينما تنجح هذه البلوجر في كسر بعض الصور القديمة السلبية المرتبطة بالمرأة المصرية كالعشوائية أو الغياب عن المجال العام فإنهن في المقابل يعززن صورة أخرى تعتمد على المظهر والاستهلاك والفردية.

الخطورة ليست في البلوجر كأفراد بل في الصناعة الكاملة خلفهن. فمعظمهن لا يخضعن لأي ضوابط مهنية أو مواثيق إعلامية بينما يتحولن إلى مرجع للجمهور وخاصة الفتيات المراهقات في قضايا تتعلق بالجمال والجسد والنجاح والحب. وهنا يبرز سؤال جوهري: من يحدد ملامح المرأة المصرية العصرية؟ هل هي منصات التسويق؟ أم فلاتر التطبيقات؟ أم المجتمع المدني والإعلام الحقيقي؟

ومن الجانب الآخر ظهرت فئة من البلوجر تتبنى خطابًا عدائيًا أو ساخرًا أو حتى خادشًا للحياء، يستخدمن فيه ألفاظًا خارجة أو أسلوب تهكمي يتعمد الصدمة، لجذب المشاهدات وتحقيق التريند. هذا النوع من المحتوى لا يعكس بأي حال من الأحوال صورة المرأة المصرية الحقيقية، ولا يمثل عموم نساء مصر اللاتي تميزن على مر التاريخ بالوعي والرقي والالتزام. بل على العكس، فإن هذا النموذج يُصدِّر صورة مشوهة عن المرأة المصرية، خاصة عند المتابعين من خارج البلاد، ويعمّق الفجوة بين الواقع والمُتَصوَّر الرقمي عنها.

في مقابل صورة البلوجر اللامعة لا تعبر عن المرأة العاملة في الريف والمرأة المثقفة المهمومة بقضايا الوطن والمرأة التي تواجه العنف الأسري أو التمييز في سوق العمل. ورغم المحاولات الجادة لبعض البلوجر الواعيات في الحديث عن الصحة النفسية أو قضايا المرأة فإن الطابع التجاري والترفيهي ما زال يطغى.

الإعلام التقليدي لم يعد هو اللاعب الوحيد والمطلوب اليوم ليس قمع المحتوى الشعبي بل موازنته بخطاب رقمي مسؤول. على الدولة والمؤسسات الثقافية والتعليمية دعم منصات نسائية بديلة تقدم محتوى يواكب الواقع دون أن يختزله في طبقة واحدة من السيدات.

البلوجر المصريات يعكسن جزءًا من الواقع لكن الصورة الذهنية للمرأة المصرية لا يجب أن تُختزل في عدسة كاميرا أو فلتر إنستجرام. آن الأوان لخلق مساحة رقمية أكثر شمولًا تتسع لكل النساء من سيدة القرية حتى سيدة الترند.