بقلم : سلمى فتحي
في زاوية من هذا العالم، قد تجد طفلاً لا يبادلك النظرات، لا يضحك لنكتة قُلتها، ولا يرد حين تناديه. ربما تظنه غريبًا، وربما تظن أنه لا يهتم. لكن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير… إنه فقط يعيش في عالمٍ مختلف.
التوحد ليس مرضًا. هو طيف، أشبه بلوحةٍ من الألوان، تختلف درجاتها من شخص لآخر. بعضهم قد لا يتحدث إطلاقًا، وبعضهم يتحدث كثيرًا. بعضهم يتجنب الناس، وبعضهم يريد التواصل لكنه لا يعرف “الطريقة الصحيحة” كما يتوقعها المجتمع.
ماذا يعني أن تكون مصابًا بالتوحد؟
أن ترى التفاصيل التي يتجاهلها الآخرون. أن تلاحظ نمطًا في الأشياء لا يلاحظه أحد. أن يزعجك صوت خافت لا يسمعه غيرك. أن تجد في الروتين راحة، وفي التغيير خوفًا لا يُفهم. أن تحب بصدق، لكنك لا تعرف دائمًا كيف تُظهِر هذا الحب.
التوحد لا يعني غياب الذكاء أو المشاعر. بل العكس تمامًا. هناك أطفال متوحدون يملكون قدرات خارقة في الرياضيات أو الموسيقى أو الذاكرة. لكن الأهم من كل ذلك… أنهم بشر، يستحقون الفهم لا الشفقة، والاحترام لا الشك.
دورنا كمجتمع
نحن لا نحتاج إلى “شفاء” التوحد بقدر ما نحتاج إلى قبول الاختلاف. أن نُعلّم أولادنا أن صديقهم الذي لا ينظر في عيونهم ليس وقحًا، بل يتواصل بطريقته. أن لا نُقصي الطفل الهادئ، ولا نسخر من الطفل الذي يكرر نفس الجملة.
الوعي هو الخطوة الأولى. ثم يأتي الاحتواء، والتعليم، والدعم النفسي، والعلاجي، لكن دون أن نُجبر الطفل على أن “يكون مثلنا”. بل أن نفتح له الباب ليكون أفضل نسخة من نفسه.
وأخيرًا…
التوحد ليس نهاية، بل بداية لقصة فريدة. قصة بطل يعيش في عالمه، ينتظر فقط من يفهم لغته ويمنحه الفرصة ليتألق.
ربما لا يقول “أحبك” بالكلمات، لكنه قد يُعبّر عنها برسم، أو نظرة، أو حتى بطريقة إمساكه ليدك. لا تتجاهل هذه الإشارات… ففي عالم التوحد، كل لمحة تحمل معنى، وكل لحظة تستحق أن تُحتَفى بها.

