على مشارف الأهرامات، حيث تصافح الرمال أفق التاريخ، يقف المتحف المصري الكبير شاهدًا على ولادة عصر جديد للحضارة المصرية.. وبعد سنوات طويلة من الانتظار والعمل الدؤوب، يُفتتح الصرح الذي يُعد أكبر متحف أثري في العالم، ليعيد تقديم قصة مصر القديمة بروح القرن الحادي والعشرين.

ولأن التاريخ يفتح أبوابه من جديد.. فمنذ وضع حجر الأساس عام 2002، كان الحلم كبيرًا بإنشاء متحف يليق بعظمة الحضارة التي أبهرت العالم. وجاء اليوم أخيراً ليتحول الحلم إلى واقع نابض، حيث يضم المتحف أكثر من مئة ألف قطعة أثرية، تتنوع بين كنوز الملك توت عنخ آمون، وتماثيل الملوك العظام، ومقتنيات نادرة تُعرض لأول مرة في تاريخها الطويل خارج المخازن.

ويتناغم تصميم المتحف مع موقعه الفريد المطل على الأهرامات. واجهته الزجاجية الضخمة تفتح نوافذها على التاريخ، فيما يمتد المبنى على مساحة تزيد عن نصف مليون متر مربع، في مزيج مذهل بين الفن والهندسة، يعكس روح مصر القديمة في قالب حديث.
حتى الإضاءة المدروسة ومسارات الزيارة صُممت لتأخذ الزائر في رحلة زمنية متدرجة، تبدأ من عظمة الملوك وتنتهي عند تطور الفكر الإنساني الذي صنع الحضارة.

المدهش انه لم تعد القطع الأثرية اليوم مجرد معروضات صامتة، بل باتت تتحدث إلى الزوار عبر شاشات تفاعلية وتقنيات عرض ثلاثية الأبعاد، تشرح وتُقرب الصورة من العقل والخيال معًا.
فالتاريخ هنا لا يُقرأ، بل يُعاش، لأن المتحف يقدم نموذجًا فريدًا لكيفية دمج التكنولوجيا بالثقافة لخدمة الوعي، وجعل الزيارة تجربة تعليمية وعاطفية في آنٍ واحد.

إن افتتاح المتحف المصري الكبير ليس مجرد حدث ثقافي، بل إعلان عن رؤية جديدة لمكانة مصر في العالم. إنه استثمار في “القوة الناعمة” التي تملكها البلاد منذ آلاف السنين، ورسالة تقول إن الحضارة المصرية ليست فصلًا من الماضي، بل كتابًا مفتوحًا للمستقبل.
ومن المتوقع أن ينعش المتحف حركة السياحة العالمية، ويضع الجيزة مجددًا في قلب الخريطة السياحية الدولية.

وأخيراً…

في المتحف المصري الكبير، لا تتجسد الآثار في حجارة وتماثيل فحسب، بل في ذاكرة وطنية تُبعث من جديد. هو لقاء بين الأجداد والأحفاد، بين الطين والضوء، بين التاريخ والحلم.
إنه أكثر من افتتاح لمتحف.. إنه افتتاح لزمن مصري جديد.